تمّ عقد الكرسي الترويجي العلميّ بعنوان "البروتستانتية وخلق أزمة في المرجعيّة الدينيّة".

من السمات الأساسيّة للحركة البروتستانتية، والتي تتجلى تمامًا في تصرفات قادتها، ولاسيما مارتن لوثر، هي المعارضة والمواجهة مع المرجعيّة الدينيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة وعلى رأسها البابا.

 وبحسب تقرير دائرة العلاقات العامّة في مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث فقد نظمت مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث وبالتعاون مع  أمانة الكراسي العلميّة ، الكرسي الترويجي العلمي تحت عنوان  "البروتستانتية وخلق أزمة في المرجعيّة الدينيّة" حيث ألقى فيه حجة الإسلام والمسلمين الدكتور السيّد أحمد الطباطبائي ستودة، وهو أحد خريجي مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث، كلمة تحدث فيها عن أبرز سمات الحركة البروتستانتيّة، والتي تتجلى تمامًا في أداء قادتها، وخاصّة مارتن لوثر، من خلال المعارضة والمواجهة مع المرجعيّة الدينيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة وعلى رأسها البابا.

وأضاف قائلًا: إنّ حركة الإصلاح الدينيّ لم تكن تعارض شخص البابا أو كيان معيّن، بل كانت تعارض وتخالف سلطة البابا وسيادة الكنيسة، وبعد تحدي سلطة مؤسسات الكنيسة ومسؤليها وشرعيّتها وذلك من خلال التأكيد على شعارات مثل "الكتاب المقدّس فقط"، فقد حاول الإصلاحيون تقديم الكتاب المقدّس باعتباره "المرجع الحقيقيّ الوحيد للدِين"؛ ولكن نظرًا لاحتمال وجود تفسيرات مختلفة للكتاب المقدّس، فإنّ هذا التغيير في المرجعيّة عمليًّا خلق مشاكل أكثر أهميّة، والتي نشير إليها باسم "أزمة المرجعيّة".

وقال أيضًا: في الواقع، هدم زعماء البروتستانت _ بهدف إصلاح المرجعيّة القائمة _ أساس بناء المرجعيّة الدينيّة وأحدثوا فوضى عارمة حتّى أنّ جهودهم لترميم هذا البناء كانت بلا جدوى، ولم يتمكنوا أبدًا من إعادة المياه إلى مجاريها، وبما أنّ خطر تأثير البروتستانتية في المجتمع الإسلامي، ولاسيما بين المثقفين المسلمين كان دائمًا قائمًا، فإنّنا في هذا المقال سنبحث في أسباب وعوامل هذه القضيّة وعمليّة تشكيلها ونتائجها بأسلوب وصفي تحليلي.

وأضاف: إنّ تكوين السلطة الدينيّة في الديانة المسيحيّة مسألة معقدة للغاية وكانت دائمًا مصدرًا للنزاع، وقد أحدثت الخلافات المحيطة بها شرخين عميقين على الأقل في هذا الدين الكبير؛ حيث يمكن اعتبار تشكيل الكنيسة الأرثوذكسيّة ثمّ الكنيسة البروتستانتية وانفصالهما عن الكنيسة الكاثوليكيّة من أهم نتائج هذا الاختلاف.

وقال: مما لا شكّ فيه أنّ من أهم عوامل ظهور هذه الاختلافات هو الأساس الضعيف الذي تقوم عليه المرجعيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة. وبغض النظر عن الغموض والتعقيدات الموجودة في مرجعيّة بطرس وبولس وآباء الكنيسة، وحتّى مرجعيّة الكتاب المقدس وشرعيته، فمن المؤكد أنّه ليس من السهل إثبات المرجعيّة الدينيّة والسياسيّة للبابا والتسلسل الهرمي للكنيسة الكاثوليكيّة، حتّى أنّ بعض الكتّاب الكاثوليك يعتقدون أيضًا أنّه لا يمكن إثبات أنّ الأساقفة هم الخلفاء الوحيدون للرسل بلا فصل، وتاريخيًّا من المستحيل أن نجد في المسيحيّة الأولى سلسلة متصلة من طقوس التكريس من الرسل إلى أساقفة اليوم.

وقال حجة الإسلام والمسلمين الدكتور الطباطبائي في نتيجة البحث: إنّ مرجعيّة البابا الدينيّة والسياسيّة ومؤسسة الكنيسة الكاثوليكيّة التي لم تكن مبنية على أساس متين منذ البداية، مع ظهور البحوث العلميّة الإنسانويّة في القرن الخامس عشر وتأكيد قادة حركة الإصلاح الدينيّ على شعار " الكتاب المقدس فقط"، قد واجهت تحديًا خطيرًا. ومن ناحية أخرى، أثار الوضع المزري للأساقفة وتفاقم الفساد المالي والأخلاقي في الكنيسة استياءً كبيرًا في عموم المجتمع. وفي مثل هذا المحيط، صوب قادة حركة الإصلاح الدينيّ سهام هجومهم نحو مرجعيّة البابا وسيادة الكنيسة الكاثوليكيّة، ونجحوا في جمع الشعب مع هذه الحركة التي تحولت الآن إلى حركة كاملة واسعة النطاق.

وأضاف قائلًا: الإصلاحيون لم يعارضوا الشخص البابوي أو مؤسسة معينة، بل عارضوا مبدأ المنصب البابوي وسلطة الأفراد أو المؤسسات في المجتمع الديني، وشددوا على أنّ جميع المؤمنين يجب أن يكونوا كهنة. وعلى الرغم من أنّ أفكار الإصلاحيين وأدائهم قد لقيت استحسانًا كبيرًا في البداية وأنشأت الكنيسة البروتستانتية ككنيسة مستقلّة إلى جانب الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة، لكنّها بعد فترة قصيرة واجهت مشكلة جوهريّة تسمى "أزمة المرجعيّة"، ففي الواقع نفت البروتستانتيّة مرجعيّة الأفراد والمؤسسات، وقامت بالتأكيد على شعارات مثل "الكتاب المقدس فقط"، و"جميع المؤمنين قساوسة"، على الرغم من أنّها أصرت في البداية على "مرجعيّة الكتاب المقدّس"، إلّا أنّها في الواقع واجهت حقيقة أنّ هذه المرجعيّة لن يكون لها وجود خارجيّ بدون إشراف ومراقبة أشخاص أو مؤسسات معيّنة، وبسبب هذا عانت من "أزمة في المرجعيّة".

وفي ختام حديثه قال حجة الإسلام والمسلمين الدكتور الطباطبائي: إنّ الأزمة التي أطلق عليها بحق "كعب أخيل البروتستانتية" أحدثت فوضى عارمة في المجتمع المسيحيّ، وأهانت سلطة البابا والتسلسل الهرمي للكنيسة، وخلقت الانقسام في شكل تشكيل الجماعات والكنائس المختلفة، ومن المظاهر الرئيسيّة لهذه الفوضى حرية التعبير غير المقيدة وغير المشروطة في تفسير الكتاب المقدّس والتفاسير الشخصيّة للكتاب المقدّس، والتدخل في إقامة الشعائر الدينيّة والطقوس المقدّسة وإحداث العديد من التغييرات في كميتها ونوعيتها، فضلًا عن قيام الحروب والصراعات الشديدة، والتي يمكن النظر إلى هذه الفوضى على أنّها نتاج فكر وعمل قادة حركة الإصلاح الدينيّ. وعلى الرغم من أنّ قوة المباني الدينيّة في الإسلام وأساس مرجعيّة الشيعة قد ألغت الحاجة إلى مثل هذه الإصلاحات، لكنّ الانحراف في المعتقدات والشعائر الدينيّة، أو النقائص التي ربما ظهرت على هامش التنظيم الدينيّ الشيعيّ، خلقت أوجه تشابه في هذا الصدد، الأمر الذي تسبب في رفع بعض المثقفين المسلمين راية الإصلاحات، بل وحتّى إثارة قضيّة "البروتستانتية الإسلاميّة"؛ لذا فإنّ دراسة أسباب وعوامل تشكيل حركة الإصلاح الدينيّ وتقديم تحليل صحيح لنتائجها وعواقبها، إذ ينفيان هذه المقارنات والتشبيهات، فإنّهما يؤكدان أيضًا على ضرورة تصحيح الانحرافات الدينيّة في المجتمع الشيعي وإصلاح الأضرار الموجودة في المؤسسة الدينيّة الشيعيّة.
 


جميع حقوق الموقع محفوظة ومسجّلة لمؤسسة الإمام الخميني (ره) للتعليم والأبحاث