عقد الكرسي الترويجي العلميّ "تقييم تفسيرات المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة" لقسم الفلسفة السياسيّة بمركز أبحاث دائرة معارف العلوم العقليّة الإسلاميّة

  28/12/2023 م

نظّم قسم الفلسفة السياسيّة الكرسي الترويجي الثاني لمركز أبحاث دائرة معارف العلوم العقليّة الإسلاميّة. وفي هذا اللقاء العلميّ قدّم حجّة الإسلام الدكتور السيّد محمد هادي المقدسي، الباحث في قسم الفلسفة السياسيّة بمركز دائرة المعارف، جانبًا من إنجازاته البحثيّة تحت عنوان "تقييم تفسيرات المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة". وقام بنقد آرائه حجّة الإسلام الدكتور مهدي أميدي، عضو الهيئة العلميّة في قسم العلوم السياسيّة بمؤسسة الإمام الخميني للتعليم والأبحاث.

وقد ذكر حجّة الإسلام دانيال محب الطاهر، مدير الكرسي الترويجي في كلمته الافتتاحيّة، بعض أنشطة قسم الفلسفة السياسيّة في مركز أبحاث دائرة معارف العلوم العقليّة الإسلاميّة، ونوّه بأنّ اللقاءات العلميّة تُقام من أجل عكس هذا الأداء وبالطبع تعزيزه. ووفقًا لتصريحاته، فإنّه في دائرة معارف الفلسفة السياسيّة سيتمّ شرح وتحليل حوالي 1800 مصطلح في الفلسفة السياسيّة ضمن 230 مدخلًا في 17 صنف. ويأتي مدخل "المدينة الفاضلة" تحت تصنيف "المدينة" وهو أحد المداخل الرئيسيّة لدائرة معارف الفلسفة السياسيّة الإسلاميّة الذي قام الدكتور المقدسي بكتابته. ونظرًا للفاصل الزمني المتبقي حتّى النشر الرسمي للنص النهائي لمقالات المركز، فقد ارتئي أن يقدّم الباحث المحترم أجزاء من نتائج بحثه في شكل جلسة علميّة تحت عنوان "تقييم تفسيرات المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة" بهدف التعريف بالجهود المبذولة، وتوفير الأساس لتحسين النص النهائي من خلال الاستفادة من آراء النُقّاد.

ثمّ بدأ الدكتور السيّد محمد هادي المقدسي بعرض بحثه، ووفقًا لرأيه فإنّ دراسة المدينة الفاضلة ليست مناقشة خياليّة أو للمتعة، بل هي دراسة لموضوع له أهميّة عمليّة ونظريّة. أهميّة عمليّة بمعنى أنّ إمكانية تحقيق المدينة الفاضلة يوفّر الأساس للتحرك نحوها. ومن أبعاد الأهميّة النظريّة يمكن أيضًا أن نذكر أنّ الميل إلى المدينة الفاضلة كان دائمًا في منتصف نسبة الإقتداء إلى الأفكار المختلفة.

وكانت المناقشة الأساسيّة للدكتور المقدسي هي التطرق إلى تفسيرات المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة موضّحًا أنّ الفلاسفة السياسيين المسلمين قدّموا وجهات نظر متمايلة إلى المدينة الفاضلة وتمّ تفسيرها وتقييمها بشكل مختلف. ووفقًا لرأيه، يمكن تصنيف هذه التفسيرات تحت ثلاثة عناوين: تفسير خيالي وتمثيلي وواقعي.

أما التفسير الخيالي للمدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة فقد تمّ تقديمه لأوّل مرّة من قبل ابن خلدون. فمن خلال خلق تناقض بين السياسة الشرعيّة والسياسة المدنيّة، اعتبر ابن خلدون بأنّ المدينة الفاضلة المقترحة في السياسة المدنيّة مستبعدة. كما كان لدى مؤلفي موسوعة برينستون وبعض الكتّاب المعاصرين مثل هذه النظرة في ميل الحكماء الإسلاميين نحو المدينة الفاضلة. وبحسب التفسير الخيالي، فإنّ المدينة الفاضلة التي رسمها حكماء الإسلام غير قابلة للتحقيق، ومبنيّة على التفاؤل المفرط تجاه الإنسان، ووحدويّة، ومجموع هذه العوامل يجعل منهج المدينة الفاضلة للحكماء الإسلاميين يستحقّ أن يسمى خياليًا.

وفي تكملة اللقاء، قام الدكتور المقدسي _ ضمن انتقاده لتفسير الخيالي _ بتحليل الأمور المنسوبة إلى الحكماء المسلمين، وإثبات عدم صحّة التفسير الخيالي الذي يتبعه تأكيد التفسير الواقعي وهو ما سيأتي لاحقًا. وقد تمّ دراسة التفسير التمثيلي باعتباره التفسير الثاني للمدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة.

اعتبر بعض الباحثين المعاصرين في الغرب أعمالًا مثل "حي بن يقظان" لابن سينا ​​وتعابير مثل "جابُلقا" للسهروردي بمثابة جهود للحكماء الإسلاميين تميل للمدينة الفاضلة، وقاموا بتقييمها على أنّها محاولة لرسم مدينة فاضلة غير واقعية، كما انتقد الباحث في اللقاء العلمي هذا التوجه، وقال: في الأساس الحكماء المذكورين في الدراسات والمؤلفات المذكورة لم يسعوا إلى تناول الحكمة العلميّة ورسم المدينة الفاضلة، بل عرضوا موضوعاتهم النظريّة بصيغة مختلفة باستخدام التمثيل والحكاية.

أما التفسير الواقعي فهو التفسير الثالث للمدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة الذي تمت مناقشته في هذه الجلسة. ويعتبر هذا التفسير أنّ المدينة الفاضلة التي رسمها الفلاسفة الإسلاميّون ليست خالية من خصائص المدينة الفاضلة الخيالية أو التمثيليّة فحسب، بل هي مبنيّةٌ على الحكمة والعقل وذات منهج معياريّ.
أما خصائص المدينة الفاضلة الواقعيّة فهي كالتالي: قبول احتمال صدور الشر من البشر، وإنشاء نمط من التعددية مع الوحدة، والمرونة مع احتياجات الزمان والمكان.

وفي مناقشته الأخيرة، اعتبر حجّة الإسلام المقدسي، مع تأكيده على ضوابط التمييز بين المدينة الفاضلة الواقعيّة والخياليّة، أنّ المدينة الفاضلة الواقعيّة هي الرؤية الصحيحة للمدينة الفاضلة عند الحكماء الإسلاميين، وأكّد على أنّ المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة متوافقة مع الضوابط المتقدّمة.

وبعد أن عرض الدكتور المقدسي بحثه وآرائه، بدأ الدكتور مهدي أميدي النقاش كناقد لهذا اللقاء العلمي، وأشار إلى مزايا بحث الدكتور المقدسي وأثنى عليه، مؤكّدًا على ضرورة مواصلة البحث التطبيقي حول المدينة الفاضلة، وأبدى الدكتور أميدي رأيه في المناقشة المطروحة، وأولى ملاحظاته كانت حول عدم وجود تعريف دقيق وعدم توضيح محل النزاع وتحديده من ناحية المفهوم أو التطبيق، ونظرًا لأنّ مصطلح "المدينة الفاضلة الواقعيّة" متناقض، فقد اقترح استخدام تعبير "النظرة الواقعيّة للمدينة الفاضلة" أو "الواقع الظاهر".

وقد أوصى ناقد هذا الكرسي العلمي الترويجي _ وهو يرسم خمسة منطق لتقييم تفسيرات المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة _ بالمنطق والقراءة الناقدة وتناول مزايا هذا المنطق ومتطلباته. وأضاف أنّه في القراءة الناقدة سيكون من غير العدل النظر في تحليل واحد للمدينة الفاضلة في الحكم اليونانيّة والإسلاميّة والغربيّة؛ إذ ليس هناك خلط بين المناهج القائمة في مناقشة المدينة الفاضلة، ومباني علم الإنسان والتصورات المختلفة للكمال لا تعتبر واحدة.

ورأى حجّة الإسلام الدكتور أميدي في بيان ملاحظته الأخيرة أنّه من الضروري التمييز بين فئتين من الآراء؛ وجهات النظر التي تعتبر المدينة الفاضلة مستحيلة تمامًا ووجهات النظر التي تقيّمها على أنّها مختلفة فقط عن الوضع الفعلي. وبحسب اعتقاده فإنّ الاهتمام بهذه الازدواجيّة هو من متطلبات القراءة الناقدة ولا بدّ من دراسة تفسيرات المدينة الفاضلة في الحكمة المدنيّة الإسلاميّة.
 
وفي نهاية الجلسة اعتبر حجة الإسلام محب الطاهر مدير الجلسة ضمن تلخصيه مناقشات الناقد المحترم، أنّ الاهتمام بالنقاط المقترحة التي تمّ طرحها في الجلسة هو تعزيز للبحث الحالي وطليعة ومقدّمة للدراسات والأبحاث المستقبليّة. وانتهى الكرسي العلمي الترويجي الثاني لقسم الفلسفة السياسيّة بمركز دائرة معارف العلوم العقليّة بتقديم الشكر والتقدير لمنظمي الجلسة والحاضرين الكرام.
 


جميع حقوق الموقع محفوظة ومسجّلة لمؤسسة الإمام الخميني (ره) للتعليم والأبحاث